يقول: "وأخص من ذلك: أنه في عرف المتأخرين اسم لأتباع
أرسطو، وهم
المشاءون خاصة". وهذه هي الفلسفة المشائية، وقيل: إنهم سموا بذلك لأنهم كانوا يفكرون وهم يمشون، وهذا نوع من الناس يفكر دائماً حتى وهو يمشي، ويتكلم وهو يمشي، وهناك طرفة كانت تقال للتندر والضحك، إلا أنها صارت الآن من الحقائق النفسية المعروفة، وهي: أن الفرق بين الجنون وبين الفلسفة شعرة لا غير، أي أنه لا فرق بينهما، فبإمكانك أن تقول عن المرء: إنه مجنون أو فيلسوف، فالفرق بينهما يسير جداً، فـ
الفلاسفة يعيشون حياتهم يفكرون في أشياء خارجة عن واقع الناس.
وهناك
الفلاسفة النباتيون، الذين يعيشون على النبات ولا يأكلون اللحم، يقول
أبو العلاء المعري :
غدوت مريض العقل والدين فأتني لتعرف عن بعض العلوم الصحائح
يقول: إن الناس كلهم مرضى العقول، مرضى القلوب، مرضى الدين، فائتوني حتى تعرفوا العلوم الصحائح، ثم يبين هذه العلوم فيقول: فلا تأكل ما ألقت الطير... إلخ.
أي: لا تأكل البيض، وهذا الكلام لما قاله
أبو العلاء أُخذ على أنه حكمة عظيمة؛ لكن لو جاء مجنون لا يسمي نفسه شاعراً ولا فيلسوفاً، وقال: لا تأكلوا البيض ولا الدجاج، فسوف يسخر منه الناس، مع أن هذه العبارة وعبارة
المعري واحدة، والفكرة واحدة، لكن لما جاءت على لسان
أبي العلاء قالوا عنها: إنها حكمة عظيمة، ويفتخرون بها، ويصنفونها في أنواع الفلسفات، وعندما جاءت على لسان المجنون العادي قالوا: هذا مجنون! ومن هنا يتبين أن الفرق بين الجنون والحكمة شعرة، والدراسات النفسية الحالية تؤكد هذا الشيء تماماً، فإن المجانين إما فلاسفة أصيبوا بجنون، وإما هم مجانين في الأصل، فالفرق بينهما ليس بكبير.
وإذا قيل: إن
الفلاسفة يطلق على أتباع
أرسطو، فإن المقصود:
الفلاسفة المشاءون الذين يفكرون وهم يمشون، مع أن الله سبحانه وتعالى قد أعطاهم النور، وأرسل إليهم الرسل، وما ترك عز وجل -من فضله ورحمته- قرية إلا وبعث في أمها رسولاً يتلو عليهم آياته، ولكنهم أعرضوا عن هذا الخير والنور، وأخذوا يمشون ويفكرون ويجتهدون بآرائهم الفجة المنحرفة، ولهذا أخرجوا ما سنذكره من أمور غريبة، لا يكاد يصدق العقل أن أحداً من البشر يقولها.
يقول
ابن القيم : "وهم الذين هذَّب
ابن سينا طريقتهم وبسطها وقررها"، أي أن أشهر من عرَّفها وشرحها من المنتسبين إلى هذه الملة، هو الرئيس -كما يسمونه-
أبو علي بن سينا صاحب كتاب
الإشارات، فهو الذي سهل كلام
أرسطو وشرحه.
يقول: "وهؤلاء فرقة شاذة من فرق
الفلاسفة "، لكن دخل معهم أعداء الإسلام المنافقون من
الروافض ؛ لأن
ابن سينا في الأصل رافضي، فقد ذكر
شيخ الإسلام و
ابن القيم و
الذهبي في
سير أعلام النبلاء، أن
ابن سينا أصله من
الإثني عشرية، ثم دخل في دين العبيديين، وتفلسف وأخذ بكلام
المشائين.
يقول: "ومقالتهم واحدة من مقالات القوم، حتى قيل: إنه ليس فيهم -أي:
الفلاسفة القدماء جميعاً- من يقول بقدم الأفلاك غير
أرسطو وشيعته"، أي أن كل
الفلاسفة القدامى مقرون بوجود الله، وأن الله تعالى هو الذي خلق هذا الكون، والذين يقولون: إن هذه الأفلاك ليس لها أول، وهي تتحرك بذاتها، هم فرقة شاذة، وهم أتباع هذا المشرك الوثني
أرسطو .
يقول: "والأساطين -أي: من
الفلاسفة- قبله كانوا يقولون بحدوثه -أي: بحدوث العالم- وإثبات الصانع، ومباينته للعالم، وأنه فوق العالم وفوق السماوات بذاته، كما حكاه عنهم أعلم الناس في زمانه بمقالاتهم:
أبو الوليد بن رشد"، وهو من المنتسبين للإسلام، وهو الذي عن طريقه عرفت
أوروبا أرسطو، ولذلك فإن الغربيين يعدون
ابن رشد فيلسوفاً أوروبياً، ويسمونه
أفرَّش، ويعدون كلامه كلاماً أوروبياً، وهو الذي ترجم كلام
أرسطو .